إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
  

392 ـ ابن ماجد (1437م ـ 1500م)

هو شهاب الدين احمد بن ماجد بن محمد بن عمر. ولد حوالي السنة 1437م في مدينة جلّفار في عُمان، وتوفي بعد عام 1500م. لقب نفسه بشاعر القبلتين: مكة والقدس، وكذلك "أسد البحار بلا منازع". كان أبوه،وجدّه من قبله فلاحين شهيرين. يقول ابن ماجد عنهما: "إلاّ أن جدي عليه الرحمة والغفران كان نادرة في ذلك البحر (المحيط الهندي)، واستفاد منه، الذي عليه الرحمة والغفران (يقصد والده) أكثر من ذلك، وقد أخذت علم الرجلين (جدّه ووالده) مع كثرة التجربة فحررت ذلك البحر …" ويضيف ابن ماجد معرِّفاً بجده وبأبيه، فيذكر إسهاماتهما في معرفة القياسات وأسماء الأماكن وصفات البحر والبحّار، كما يشير إلى أنه درس مؤلفات البحارة القدماء وعمل بها: "وفي هذا الفن كتاب المجسطي البطلموسي، وهو كتاب يوناني، فَعَرّف عنه المأمون بن هارون بعض أجزائه، ومن كُتب هذا الفن كتاب البتاني، وزيج ابن الشاطر المصري، وكتاب أبي حنيفة الدينوري، وكتاب الطوسي وكتاب أبي المجد إسماعيل بن إبراهيم الموصلي ... وكتاب المشترك لياقوت الحموي، وكتاب ابن حوقل ..."

وابن ماجد بحّار مجرّب، قوي الملاحظة راغب في مهنته، يريد إتقانها وتعليم أسرارها للبحارة الآخرين، وكان مغامراً كلفا بارتياد الأماكن الجديدة، زار الهند والشام وبلاد الزنج وفارس والحجاز واليمن وأندونيسيا وجاوا، وكان يرغب أن يجتهد البحارة في إتقان علم البحار، لذا وضع لهم المؤلفات في ذلك: "منها أن اختصرت منه ما يليق لأهل زماني في هذا الكتاب المسمى بكتاب الفوائد في أصول البحر والقواعد" ألفته وصنفته لركاب البحر ورؤسائه ... وهو مشتمل على فوائد كثيرة وغوامض وظواهر ..." كما أن لأبن ماجد مؤلفات غير هذا الكتاب، منها أرجوزة سمّاها: "المعربة، لأنها أعربت الخليج البربري وصححت قياسه" والخليج البربري هو ناحية بربري من بلاد الزنج والحبشة. وله أرجوزة أخرى في بر العرب، وثالثة في فائدة الاستدلال ببعض النجوم، وله قصيده اسمها "كنز المعالمة وذخيرتهم في علم المجهولات في البحر والنجوم والبروج"، وأرجوازة في ذكر الموانئ على ساحل الهند الغربية، وبر العرب بين الدرجة السادسة والدرجة الرابعة والعشرين والدقيقة الخمسين، وقصيدة بائية مسماة بـ "الذهبية" تبحث في الصخور البحرية والأعماق، وأرجوزة في علوم البحار السبعة ...

ونلاحظ في مؤلفات ابن ماجد ثقافته الواسعة، فهو فضلاً عن استشهاده وانتقاده لمعلومات البحارة السابقين، يذكر العديد من الشواهد الشعرية والملاحظات المتعلقة بعلوم الفلك وطبقات الأرض والرياضيات والفراسة والإشارة والنجارة، بل وعلم النفس والاجتماع، ونلاحظ اختلاط النثر بالشعر، مع كثرة أخطائه النحوية.

وفي كتاب ابن ماجد "الفوائد في أصول البحر والقواعد"، الذي يعود تاريخه إلى عام 1489م، يورد اثنتي عشرة فائدة: الإبرة المغناطيسية، منازل القمر الثمانية والعشرين، النجوم التي تقابل الاثنين والثلاثين خناً للإبرة (الحك)، الطرق البحرية في المحيط الهندي، خطوط عرض بعض المرافئ في هذا البحر، وبحر العين الغربي، والعلامات والإشارات في البحار، والتي تستهدي بها الطيور، سواحل الهند الغربية، والجزر العشر الكبرى: جزيرة العرب ـ جزيرة قُمر ـ مدغشقر ـ سومطرا ـ جاوا ـ الغور أوفورموزا ـ سوقطره ـ سيلان ـ زنجبار ـ البحرين ـ الرياح الموسمية ـ وملاءمتها للسفر مع تواريخها وفقاً لحساب الفرس، وصف البحر الأحمر وبعض الأساطير البحرية.

وأهم ما تفيدنا به كتب ابن ماجد ما يلي:

ـ إن معرفة الربان يجب أن تكون "معرفة المنازل، والاخنان، والدّير، والمسافات، والباشيات، والقياس، والإشارات، وحلول الشمس والقمر، والرياح ومواسمها، ومواسم البحر، وآلات السفينة ..." ويشير إلى ضرورة معرفة تقلبات البحر والمناخ، وحيوان البحر والبر ...

ـ وفي سلوك الربان يقول: "... عالماً بالأشياء، عزاماً فتاكاً، عادلاً لا يظلم أحداً، لا يغضب التجار، كثير الاحتمال على الهمة، صباراً مقبولاً بين الناس، لا يسعى فيما لا يصلح له، أديباً لبيباً وإلاّ فليس هو معلم بالقاعدة".

وفي مهارة الربان يقول: "الحذر كل الحذر خصوصاً في غبّة تيهان وغبة الحشيش، وربما أتاك المغرب وأنت في الماء الأسود معترضاً على أول الغبة طوال الليل ... فالحذر في مثل ذلك وهما ستين باعاً على رأس دائرتهما ... وكل غبة احسب حساب ريحها وموسمها".

ـ ويشرح ابن ماجد سياسته في ترتيب المركب والعسكر، وتوجيه الدفة ونصب الحقة "لأن في المراكب ما يكون في تجارته خلل"، وتأمل الآلات وتفقد الركاب، والسهر ومحاربة النوم.

ـ وجمع ابن ماجد إلى صفات البحار صفات الأديب الشاعر، فيصف النجوم والقمر والليل والأمواج ... ويستشهد بأقوال وأشعار "من الحديث الشريف وعنترة والأخطل والصفرائي ... وأمثلة العرب".

ـ ويعود الفضل إلى ابن ماجد في إيجاد الإبرة المغنطيسية (البوصلة)، يؤكد ذلك ابن ماجد نفسه حين يقول: "ومن اختراعنا في علم البحر تركيب المغناطيس على الحك بنفسه، ولنا فيه حكمة كبيرة لم تودع في كتاب".

ـ ورد ذكر ابن ماجد في كتاب المحيط للأميرال التركي سيدي علي بن حسين، حين ذكر رحلته إلى المحيط الهندي في عام 1554م. وقد خصه في كتابه بإطراء ومديح وسماه: "الباحث عن الحقيقة بين البحّارين". وروى فاسكو دي جاما مرافقة ابن ماجد له في إحدى سفراته، وكان يسميه "كانا كان" ويؤكد المؤرخ قطب الدين النهروالي في مخطوطة" البرق اليماني في الفتح العثماني" إن هذا الربان هو أحمد بن ماجد.

ويشير جميس بن نسيب إلى أن "ذكرى ابن ماجد ما زالت حية في الهند وفي جزر المالديف في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهم يعتمدون على القواعد التي وضعها في علم الملاحة". ويشير الأستاذ فيران ـ بعد ذكره كتب ابن ماجد ـ بأنها تشتمل على: "معلومات كثيرة نظرية وعلمية في علم الملاحة، وهي خلاصة تجارب ابن ماجد الشخصية، وعلى هذا يمكننا أن ننظر إليه كأساس لعلم الملاحة في السنين الأخيرة في القرون الوسطى، ويُعد الأول بين مؤلفي علم الملاحة في تلك الأزمان إلى العصر الحاضر. فوصفه للبحر الأحمر مثلاً، لم يسبقه إليه ولم يجاره فيه أحد بين مؤلفي علم الملاحة من الأوروبيين ... أما المعلومات عن رياح بحار الهند والرياح المحلية والطرق وخطوط الطول لمرافئ المحيط الهندي كله، فهي متقنة ومفصّلة".